يابانوفيل، عندما كنت يابانياً

الحياة اليومية في اليابان

الحياة اليومية في اليابان

في الحقيقة خلال 11 سنة الماضية – هي مُدة إقامتي في اليابان حتى الآن – كُنت مُعتاد على الذهاب للسعودية مرة واحدة في السنة وامكث ما بين 3 – 4 أسابيع تقريباً … وكُنت ألاحظ بمُجرد هبوط الطائرة في مطار الرياض باختلاف الحياة اليومية و العملية في السعودية عما عليه الوضع في اليابان بحُكم إقامتي و دراستي وعملي بها، فالحياة في اليابان سريعة جداً لا تكاد تبدأ يومك ثُم يمُر وقتاً قصيراً وتجد أن اليوم انتهى بسرعة البرق ولا زال  لديك عمل متبقي  للقيام به! … وهذا عكس ما كُنت أشعُر به في السعودية تماماً، فاليوم هُناك قد يكون مليء ببعض المهام اليومية والالتزامات إلا أنك تتمكن من الانتهاء منها وانت تشعُر بطمأنينة و راحة داخلية نسبياً. وصراحة هُناك العديد من المواقف التي تُؤكد صحة كلامي، ولكن سأكتفي بذكر موقف واحد تكرر مع أكثر من شركة يابانية عملت معها يوضح مدى الفجوة بين اليابان والعالم العربي فيما يتعلق بالحياة العملية… في بداية عملي مع اليابانيين كانت من ضمن مهامي إعداد جدول الأعمال عند السفر معهُم للسعودية أو لدول خليجية أخرى، فلكُم أن تتخيلوا أنهُم كانوا يطلبوا مني إعداد جدول الأعمال لمُدة يومين فقط للرحلة التُجارية بالكامل، بحيث يبدأ الجدول في 7 صباحاً وينتهي في 11 مساء … فهُم اعتقدوا أن الشريك التجاري في البلد الآخر لديه نفس عقليتهُم في الحياة العملية بالعمل لمُدة 16 ساعة في اليوم، السعودي على سبيل المثال ينتهي عمله الساعة 2 مساء وفي أقصى الأحوال يبقى حتى 5 مساء. وبعد فترة من العمل وتكوين علاقات وخبرات مع اليابانيين بدأت في إقناعهُم بضرورة تعديل جداول العمل حسب ظروف وطبيعة الحياة العملية في المُجتمع الخليجي بل حتى إن الحياة العملية أقل قسوة في أمريكا و بريطانيا مقارنة مع اليابان … وفي الحقيقة لم يقتنع أغلبهُم بذلك إلا بعد تجربة الذهاب للمرة الأولى للسعودية أو أي دولة خليجية أخرى، فالشريك الخليجي كان أقصى موعد بالنسبة له هو 4 أو 5 مساء ثم يعتذر بعدها عن الإجتماع، وبالتالي مع رغبة الشريك الياباني وحماسه للاستثمار والشراكة التُجارية كان يقتنع بضرورة تعديل جدول العمل في المرة القادمة .. ومع ذلك، فكان بمُجرد عودته لليابان يعود لوضعه الطبيعي مرة أخرى حيث الحياة العملية القاسية في المُجتمع الياباني … والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أنني تأثرت أيضاً بهذا الشيء أثناء إقامتي في اليابان، وصرت بإمكاني العمل لساعات طويلة و مواجهة ضغوطات الحياة العملية هُناك، ولكنني في نفس الوقت عندما أعود للسعودية أتفهم طبيعية الحياة العملية هُنا واستطيع انهاء اجتماعي قبل 4 مساء واستمتع ببقية يومي.

ربما هذا ينطبق بشكل أكبر على مدينة طوكيو أكثر مما هي عليه بعض المدن الأخرى والقرى الصغيرة. فسترى عدد أقل من اليابانيين يتراكضون لركوب القطار أو الباص أو ربما لا تشاهدهم أصلاً. طوكيو هي دولة أخرى داخل اليابان ولها أنظمتها وقواعدها المختلفة. فلابد أن تكون على دراية كاملة إن كانت اليابان تناسبك سواء للدراسة أو العمل. رُبما اليابان هي ليست المكان المناسب لك، ثقافة مختلفة تمامًا، حياة سريعة لا تتوقف، لغة صعبة التعلم ولكن لا أنا ولا أنت يستطيع أن يُنكر ما وصلت إليه اليابان من تطور و تقدم علمًا أن كل هذا قام على الكثير من حالات الكبت و الانتحار وغيرها.

غنيم الغنيم

١٣ عاماً قضيتها طالباً، مهندساً، أباً، في اليابان ساعدتني في أن أكون قادر على كتابة جميع السطور التي ستقرؤونها في هذا الموقع. اسمي غنيم عبدالله الغنيم. حتى عام ٢٠٠٧م، كنت ذلك الرجل الذي كان يعمل في مصانع المدينة الصناعية في مدينة الرياض. ولكني اليوم على أعتاب الحصول على درجة الدكتوراه في إدارة وهندسة النظم من أحد أعرق جامعات اليابان. أعتقد أنه لايوجد شخص عاش مثل هذه الحياة الممتعة. وبهذا أعتقد أني عبرت عن نفسي باختصار.
مقالات بواسطة غنيم الغنيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *