يابانوفيل، عندما كنت يابانياً

اليابانيون يُفكرون بصوت عالٍ

واحدة من النقاط السلبية في الشخصية اليابانية – والتي أجد صعوبة في التعبير عنها – هي أنها تميل إلى تحليل الشخصية التي تتعامل معها أو تحتك بها في المُجتمع بصرف النظر عمّا إذا كان هذا التحليل صحيح أم خاطئ. وفي الغالب ذلك يعود إلى طبيعة الياباني، فعندما يمُر عليه موقف جديد أو حدث لم يألفه في ثقافته لا يدّعه يمُر مرور الكرام، بل يُحاول تحليل طبيعة هذا الموقف في عقله ويُعلق عليه بصوت عالي. أي أن أفكاره التي تدور في عقله يُتفوه بها على لسانه. وسأروي لكُم قصة طريفة و مُثيرة للإهتمام حدثت معي توضح ذلك.  ففي إحدى المرات في عامي الأول بمرحلة الدكتوراة، دخل علينا الدكتور وقبل أن يبدأ في مُحاضرته حاول توصيل شاشة حاسوبه لعرضها على البروجيكتور، ولكنه فشل في ذلك، فما كان منه إلا أن طلب المُساعدة، فردّيت بالإيجاب وهممت لمُساعدته، وبينما أنا في طريقي للدكتور، سمعت اثنان من زُملائي اليابانيين وهُم يعلقوا على هذا الموقف بصوت مسموع قائلين “لقد تحرك حلال المشاكل.. يقصدونني أنا بالطبع!” .. وساعدت الدكتور وأنتهى الأمر وتم حل المُشكلة ومر هذا الموقف، ولكن لم أستطع نسيان تعليق زُملائي وظللت أفكر فيه.  فوصلت لاحقاً إلى نتيجة مفادها أن الشخصية اليابانية تميل إلى تحليل الشخصية التي تتعامل معها. كما أنهُم يتحدثوا مع أنفسهُم ويُفكروا بصوت عالٍ ومسموع لتحليل سلوك شخصيتك، وبالتالي قد يتفوهوا لك بما يدور في عقولهم تجاهك كما حدث معي (أي انتقاد شخصيتك سواء بالإيجاب أو السلب). فهذا الأمر أنا أجده صراحة سلاح ذو حدين، فقد يكون هذا الانتقاد إيجابي في بعض الأحيان – كما حدث معي – وقد يكون سلبي في أحيان أخرى، يعتمد ذلك على طبيعة الموقف وتحليلهم له. والذي سيحدد لك أن كنت تتضايق من هذا السلوك أم لا، هي لغة الجسد وتعابير الوجه التي ستبدأ تراها في تعاملهم مع الموقف. ولذلك يجب أن تكون حذر دائماً عند التعامل معهم. أيضاً هناك موقف آخر يثبت لي جيداً وجود هذا السلوك لديهم. الذي يعيش في اليابان سيعرف جيداً كيف أن سلسلة مقاهي ستاربكس تلعب دوراً هاماً في الحياة اليومية بالنسبة لليابانيين. سلسلة المقاهي تجدها في كل منطقة إن كنت لا أبالغ، وتقدم بيئة جيدة لكل أصناف المجتمع الياباني. من الطالب حتى الموظف أو حتى رجال الأعمال أو الفنانين كذلك. بالإضافة إلى أنها مهيئة ببيئة مجهزة بأجهزة الواي فاي المجاني ومخارج الكهرباء، إلا أنها وبشكل غير معلن تسمح لكل الفئات بالقيام بالأعمال سواء التي يتم انهائها بالكمبيوتر أو حتى الأجهزة المختلفة. لذلك أعتقد أنك حتى ولو كنت سائحاً ستجد ضالتك فيه يوماً ما وستبقى فيه لاكمال أعمالك خارج نطاق منزلك. المهم هو أنك ستبدأ تعتاد على زيارة الفرع القريب منك ربما بشكل يومي. وعندئذ، ستشعر حتماً بظاهرة التفكير بصوت عالي وخاصة أن كنت أجنبي وغير ياباني. بعد فترة ستشعر أن العاملين في المقهى قاموا بتحليل شخصيتك. ستشعر بها صدقني. لأنة في المرات الأولى سيكون تصرفهم معك أكثر احترام ثم يبدأ يقل وكأنك ضيفاً ثقيلاً، وسيسوء الأمر إن كنت تشرب نفس نوع القهوة كل يوم! سيقولون ماذا لا يغير هذا الرجل نوع القهوة؟ أعتقد أنك ستسمعها بصوت عالي. أو ربما يقولون عندما تحط رجلك في المحل: جهزوا كوباً من الكابتشينو على سبيل المثال. فذلك عليك ألا أن تبدأ في الاستعداد لتغيير الفرع لفرع آخر حتى لا يسوء الأمر عليك، ثم يطبق عليك شعور الـ (ايواكان 違和感) وهو شعور الشخص بأنه في غير مكانه، ويبدأ يشعر بعدم الارتياح.